“التفكير التصميمي” لإعادة تصميم حياتك

باسم الجفال  
مدير الابتكار في شركة “علم” متخصص في بناء المبتكرين والبيئة الإبداعية في المؤسسات

في جامعة ستانفورد الشهيرة حيث درس خُمس مؤسسي الشركات المليارية الموجودة في وادي السيليكون، كان أستاذين جامعيين يدرّسان مادة التفكير التصميمي (Design Thinking)، حيث يدرّبان الطلاب على تصميم منتجات وخدمات تتمحور حول الإنسان ويكون لها أثر كبير.

في يوم من الأيام، قرّر الأستاذان الجامعيان أن يجرّبا شيئاً مختلفاً، هل يُمكن أن يُساهم التفكير التصميمي في تصميم حياتنا والوصول إلى الحياة التي نتمناها؟ بدلاً من مجرد تصميم منتجات وخدمات تحيط بنا.

في كتابهما اللطيف (تصميم حياتك) “Designing Your Life”، تحدّث الكاتبان عن كيف يمكن للتفكير التصميمي أن يساعدك في تصميم حياتك لتصبح أفضل وأكثر سعادة.

يوصي الكاتبان بدايةً بأن لا نُرهق أنفسنا في السعي وراء أمور لا يمكن تغييرها. نحن لنا طاقات محدودة يجب أن نستثمرها على أكمل وجه للوصول إلى أفضل حياة يمكن أن نعيشها. دماغنا يُشكّل %2 من وزن جسمنا لكنه يستهلك %25 من الطاقة، فكثرة التفكير وكثرة الجدال والنقاشات في أمور لا طائل منها كلها تُرهق أذهاننا وأجسادنا وتُنقص من قدرتنا على تحقيق أهدافنا.

التعاطف

يتحدث الأستاذان الجامعيان عن كيف يُمكن أن نستخدم التعاطف أو التقمّص (Empathy)، وهو أحد أهم خطوات التفكير التصميمي، لإعادة فهم ذواتنا من خلال التساؤل أولاً عن سبب وجودنا على هذه الأرض، وكيف يمكن للعمل الذي نقوم به أو الوظيفة التي نعمل بها أن تخدم هذا الهدف، بالإضافة إلى مراقبة سلوكنا وتدوين ما نحب وما نكره، متى نشعر بالسعادة، أين وكيف، من هم الأشخاص الذين نشعر معهم بالسعادة، ما هي المهام التي نقوم بها ويمضي علينا الوقت فيها ونحن لا ندري، ما هي الأمور التي تعطينا طاقة إيجابية؟ يجب أن ندوّن هذه الأمور كلها والأمور التي على نقيضها.

بعدها نحدد شكل الحياة التي نريدها بالنظر إلى مصادر سعادتنا التي اكتشفناها والسبب الذي حددناه لوجودنا. كان الكاتبان يقترحان في مرحلة توليد الأفكار (Ideation) أن نختار ثلاثة أشكال للحياة التي نريد أن نعيشها: الحياة التي نتمناها، والحياة التي نريد أن نعيشها لو لم نستطع الوصول للحياة التي نتمناها، وحياة ثالثة نريد أن نعيشها لكن بدون مال ولا وظيفة.

الذي لفت انتباهي كثيراً هو كيف يمكن أن نصنع نموذجاً أولياً (Prototype) لحياة!

تعوّدنا أن نصنع نماذج أولية لتطبيقات أو مواقع إلكترونية أو أجهزة، لكن هل يمكن بناء نموذج أولي لحياة؟ نعم ممكن. اقترَحَ الأستاذان أن نبحث عن شخص يعيش الحياة التي نتمناها ونجرّب أن نعيش معه ليوم واحد أو ونطلب مقابلته، ونسأله أسئلة كثيرة عن كيف وصل، وما هي أبرز التحديات، كيف تجاوزها، ما هو الجانب المشرق في هذه الحياة، وهل ثمة جانب مظلم، بعد أن وجد هذه الحياة، هل ثمة حياة أخرى يتمناها؟ هذه الأسئلة الكثيرة هي جزء من مرحلة التجريب (Testing).

من أهم الأمور التي تحدّثَ عنها الكاتبان هو أن نتأكد أننا نختار المشكلة الصحيحة في حياتنا لحلّها. كثيرٌ من الناس يُضيع سنيناً من عمره بل لربما عمراً كاملاً في العمل على المشكلة الخطأ، أو في حل مشكلة لا تستحق العناء لحلها.

لطالما كُنتُ معجباً بالتفكير التصميمي كمنهجية لتصميم منتجات وخدمات مميزة وكمنهجية لإيجاد حلول إبداعية لمشكلات معقّدة، واليوم زاد إعجابي وأنا أرى أن المنهجية يمكن أن تساعدنا في تصميم الحياة التي نتمنى أن نعيشها.

This Post Has 2 Comments

  1. نايف العوفي

    من افضل الأدوات التي من خلالها الوصول للمشكلة الصحيحة أداة تحليل جذور الشجرة ، فهي أداة وإن كانت تتعلق بالمشاريع التنموية او التجارية ، لكن يمكن تطبيقها على تصميم الحياة.

  2. Ruaa

    شكرا لك موضوع جدا شيق للتمعن والتطبيق. لأنه نحن كبشر منظومة لحالها فمن العجيب كيف أدوات كثيرة ممكن تساعدنا مثل ال SWOT analysis وغيرها، بحكم طبيعة التدخلات السهل تواجدها في حياتنا فدرجة التشتت بتزيد بطبيعة الحال. مستعدة أخوض تجربة ال Design thinking بإذن الله تعالى.

Comments are closed.