الابتكار أو الاندثار

أسامة بدندي
خبير ومستشار في إدارة الابتكار المؤسسي

لماذا يدوم بقاء بعض المنظمات لعقود وبعضها لأكثر من قرن مثل شركات ثري أم 3M وشركة بروكتر وجامبل ورويترز وفيلبس، في حين أن بعضها الآخر يزول بتغير الظروف؟ إن أحد الأسباب التي أثبتتها كثير من الدراسات قدرة هذه الشركات على الابتكار بوتيرة مستمرة، لقد عرفت هذه الشركات كيف تدير الابتكار.

إن كنت تشك في أهمية الابتكار فأنت تضع منظمتك في مهب الريح، الفقرات التالية تحمل في طياتها ما يزيل شكك أو قد تضطر للانتظار عقد من الزمان أو سنة أو شهور قليلة حتى تتأكد فينطبق عليك قول الشاعر حينها:

دع الندامة لا يذهب بك الندم                            فلست أول من زلت به القدم

أثر الابتكار

لم تعُد مسألة أثر الابتكار في نجاح الشركات ونموها وديمومتها مسألة خلافية، فبعد عقود من هذا البحث والدراسة أثبتت كثير من الدراسات أن الابتكار أمراً ضرورياً وملحًا. وقد كشفت عدة دراسات أن ثمة علاقة وثيقة بين أداء الشركة في السوق وابتكار منتجات جديدة، إذ يساعد الابتكار على الحفاظ على الحصة السوقية ويزيد ربحية تلك الشركات. فقدرة الشركة على الابتكار تُعد ميزة تنافسية، وتعطي صاحبها التفرد وتساهم في جذب عملاء جدد وتثبت أقدامه في السوق.

فعلى سبيل المثال، تميزت اليابان بصناعة السيارات والدرجات النارية وبناء السفن وصناعة الإلكترونيات بسبب قدرتها على الابتكار في العمليات باستخدام منهجية التحسين المستمر (الكايزن). ويُسهم الابتكار في المنتجات والأسواق القائمة في نمو المبيعات التنافسي، فالنمو لا يتأتى فقط من التقييم والجودة وتخصيص المنتجات وخفض الأسعار وحسب، بل من عوامل أخرى ليس لها علاقة بالسعر.

لقد أظهرت كثير من الدراسات أن الشركات الرائدة في السوق، بغض النظر عن الصناعة التي تعمل بها، تمتلك القدرة على الابتكار. فقد توصلت مجموعة بوسطن للاستشارات في تقريرها السنوي أن الشركات الأكثر ابتكاراً هي الشركات الأكثر نمواً وعائداً على الاستثمار. الأمر الذي يعكس أهمية الابتكار وأثره في نجاح وازدهار الشركات وبقائها وديمومتها.

توصلت مجلة بزنس نيوزويك في دراسة أخرى، أن متوسط هامش الربح للشركات الـ 25 الكبرى هو 34% في الفترة بين 1995- 2005 في حين أن المعدل كان 0.4% فقط للشركات الأخرى، أي إن متوسط عائد الحجم السنوي (annual stock return) كان 14.3% للشركات الابتكارية في حين أنه كان 11.3% للشركات الأخرى. كما أثبتت كثير من الدراسات علاقة قوية بين الأنشطة الابتكارية وأداء الأعمال، فقد وُجد أن الشركات الخمس في ذلك التقرير ارتفعت اسعار أسهمها في عام 2006/2007 بين 25% و 135%.

دورة حياة المنتج

من ناحية أخرى أسهم قصر عمر دورة حياة المنتج بشكل كبير في زيادة أهمية الابتكار في عالم الأعمال، أصبح عمر التصاميم الجديدة من الحواسيب يُقاس بالشهور، وهذا أقل مما اعتدنا عليه إذ أصبح تطوير المنتجات أمر مهماً، وأصبحت تنمية قدرات الشركة لا سيما في بيئة مضطربة، إذ يُعتبر التغيُّر السريع في نمط رغبات العملاء سلاحاً ذو حدين، ففي الوقت الذي يساهم في خلق فرصاً جديدة للريادين من خلال الاستثمار في الفجوات غير المشبعة في السوق والتي لا تستطيع الشركات الكبرى تلبيتها، فهو في ذات الوقت يضع قيوداً إضافية على الشركات الكبرى بأهمية تتبع ما يبحث عنه العميل.

نماذج العمل

وفي الوقت الذي نبحث فيه عن أهمية ابتكار المنتجات، لا يمكن تجاهل ابتكار العمليات ودوره الاستراتيجي في بناء الميزة التنافسية للشركات، فثمة أمثله متعددة من الابتكارات صَنعت نجاحاً مدوياً في عالم الأعمال لم يكن سببه منتجاً جديداً أو خدمة نوعية بل تبني نوع مختلف من نماذج العمل.

فعلى سبيل المثال، يعد بنك سيتي البنك الأول الذي يقدم خدمات بنيكية أتوماتيكية والتي تعرف الآن بطاقة الصراف الآلي (ATM) وقد ساهم هذا الأمر في تطوير وضعية البنك في السوق وساهم بشكل كبير كقائداً للتكنولوجيا بسبب هذه الميزة، وأصبحت البنوك الأخرى تحذو حذوه، ومثال آخر نجاح شركة زارا الإسبانية والتي تُعد أكثر الموردين نجاحاً بسبب استخدامها نموذج عمل مختلف قائم على شبكات الانتاج المؤتمتة المعقدة.

وتعتبر الخطوط الجوية ساوث ويست الأمريكية أكثر الخطوط الجوية فعالية بالرغم من صغر حجمها مقارنة بمنافسيها، ويعتبر نجاح هذه الشركة مثالاً صريحاً لأهمية ابتكار العمليات، إذ قامت هذه الشركة بتقليل وقت التحول وهو الوقت الذي يمتد بين هبوط الطائرات المحملة وإعادة التحميل مرة أخرى.

هذا الابتكار في إدارة العمليات جعل من هذه الشركة نموذجاً في خفض التكلفة، ولكن يعيب على هذا الابتكار أنه يمكن تقليده بكل سهولة، فالمتربصون كثر وإتباع مثل هذه العملية ليس بالأمر الصعب، لذلك ينبغي أن تطور هذه الشركات عملياتها بشكل مستمر وإلا ستكون عرضة لمخاطر أخرى.

إذاً لم يعد خافياً على أحد الأدوار التي يلعبها الابتكار في نمو ونجاح الشركات بمختلف أنواعها، رغم أن الحاجة للابتكار في أسوق معينة أكثر من غيره من أسواق أخرى، إلا أن الأهمية تكمن في كيفية خلق هذا الابتكار وتحقيقه فالعميلة ليست بالأمر الهين.

يعتبر الابتكار أهم المميزات المرتبطة بالنجاح، فالابتكار يساهم في تحقيق زيادة نمو الشركات الابتكارية مقارنة بتلك التي لا تبتكر، ويساعدها في تحقيق حصة سوقية أعلى وربحية أكثر مقارنة بنظيراتها.

هل يجب أن ننتظر حتى أفول المنظمة حتى نقتنع أننا دون الابتكار و نضع منظماتنا في مهب الريح في عالم يومه ليس كغده وحاضره لن يكون كمستقبله؟ أليس من باب أولى أن نولي الابتكار الأهمية التي يستحقها حتى لا يكون الاندثار حتميًا؟

This Post Has One Comment

  1. رائع ماقرأت الان أيقنت ما معنى الابتكار والقصد من الاندثار بالتوفيق والنجاح رفقاء لابتكار ماهو جديد لتطوير مؤسساتنا…..كل الشكر لعائلة بدندي

Comments are closed.