استخداماته في مراكز تطوير المنتجات وأثره على مستقبل المنتجات.
نشهد اليوم تنافسية عالية جدا على التقنيات الحديثة في سوق تقوم فيه الشركات بتطوير منتجات تتضمن تقنيات ناشئة لمواكبة البيئات المتغيرة والتطور التكنولوجي المتسارع. أدى ذلك إلى مخاطر عالية في امكانية استخدام تكنلوجيا حديثة غير ناضجة في المنتجات الحديثة قد تسبب خسارة المال والوقت والأهم أنها تؤدي إلى وجود منتجات ذات جودة رديئة قد تجد طريقها إلى السوق. ومع التركيز الواضح على تسويق نتائج الأبحاث القادمة من مراكز البحوث التكنولوجية ودفعها إلى السوق بوتيرة سريعة commercialization أصبح من المهم الإجابة على الأسئلة التالية :
- كيف يتم قياس النضج التكنولوجي للمنتجات الجديدة التي تستخدم بها تكنولوجيات حديثة؟
- ما هي التكنولوجيا التي يجب أن أستخدمها أو تتجنبها أثناء عملية تطوير المنتجات؟
- كيف يمكننا معرفة المدة التي قطعناها في رحلة تطوير المنتج، وكم تبقى من رحلة التطوير المنتج ليكون ناضجا؟
- من الذي يضع الضوابط والمعايير لتحديد مدى نضج المنتج تكنلوجيا؟
- متى تعتبر المؤسسات الحكومية خيارًا للحصول على أموال لمركز البحث والتطوير التي تتبنى تقنيات ناشئة؟
- من يستثمر في التكنولوجيات الناشئة وما نوع المستثمرين الذي يجب أن تبحث عنه الشركات؟
في هذه المقالة سنتناول نظام قياس مستوى الجاهزية التكنولوجية من منظور واسع ونوضح كيفية استخدامه للكشف عن إجابات الأسئلة السابقة.
ما هو مستوى الجاهزية التكنولوجية Technology Readiness Level TRL
يعد مستوى الجاهزية التكنولوجي (TRL) هو الطريقة الأكثر استخدامًا لتحديد مدى جاهزية تقنية معينة للاستخدام في للتطبيقات والمنتجات النهائية التي تصل الى المستخدم.تم تطوير TRL في الأصل من قبل وكالة ناسا لتقييم الجاهزية التكنولوجية لتصاميم المركبات الفضائية في السبعينيات. بعد ذلك ، أصبح استخدام هذا المقياس ممارسة شائعة لتقييم نضج التكنولوجيا وتم تبنيها من قبل العديد الشركات والمنظمات والحكومات.
يتكون المقياس من تسعة مستويات للجاهزية التقنية. TRL 1 هو الأدنى و TRL 9 هو الأعلى. ويتم تحديد مستوى نضج التكنولوجيا من خلال تقييمها مقابل محددات ومعايير محددة مسبقًا لكل مستوى. يتم الحصول على رقم TRL بمجرد اكتمال تحقيق المعايير. فعلى سبيل المثال، لا يؤدي تحقيق مستوى TRL 5 بنجاح إلى تطوير التكنولوجيا إلى TRL 6 بل تبقى التقنية في مستواها الحالي 5 TRL حتى اكتمال التحقق من المستوى التالي.
يختلف مقياس الجاهزية التقنية من من قطاع إلى آخر. يوضح الجدول 1مثالا لمقياس TRL عام للمنتجات التكنولوجية كما يوضح بعض الانشطة والمحددات والمعايير التي يتم أخذها في الاعتبار عند كل مستوى.
في المستويات التقنية من 1 إلى 4 ، تكون التقنية في حيز النموذج التحليلي الأساسي والدراسات المختبرية و تطوير النموذج الأولي لإثبات المفهوم الأساسي للتقنية .
أما في المستويات التقنية من TRL 5 إلى TRL 7 يكون التركيز على بناء النماذج الأولية للتكنولوجيا على مستويات مختلفة (نموذج أولي مخبري ونموذج مطور يعمل في بيئة محاكية لبيئة العمل الحقيقية للتقنية ونموذج مكتمل يختبر في بيئة العمل الحقيقية).
أما المستويان 8 و 9 من فتركز TRL بشكل أكبر على الأنشطة ذات الصلة بتوجيه المنتج الى السوق من اعتماد المنتج وحصوله عيى الشهادات الى مرحلة الإنتاج الكمي .
توضح الأشكال التالية جوانب مختلفة من رحلة التقنية خلال مستويات TRL ، ففي الشكل رقم 1 نجد كيف تتغير البيئة التي تنشأ فيها التكنولوجيا من المختبر في المراحل الاولى الى بيئة محاكية للواقع الفعلي في المراحل المتوسطة حتى الوصول بيئة العمل الحقيقي في المستويات المتقدمة.
أيضًا يوضح الشكل التالي كيف ينتقل الشكل الذي تظهر فيه التقنية من نموذج أولي للوظائف الأساسية في المستوى 4 إلى النماذج الأولية مكتملة حتى المستوى السابع. وحتى يصبح منتجًا تجاريًا عند المستوى 9.
من يضع الضوابط والمعايير التي تحدد مستويات الجاهزية التقنية
طورت وكالة ناسا أولا مقياس TRL الذي كان مناسبًا لمنتجات وتقنيات المركبات الفضائية. ولكن عندما تم اعتماد هذا المقياس من قبل قطاعات صناعية الأخرى ، ظلت المستويات ضمن المقياس كما هي من 1 إلى 9 ولكن تم تغيير تعريف المعايير والمحدادت ليناسب الصناعات المختلفة.
تقوم الشركات الكبيرة مثل Boeing و Lockheed Martin وغيرها ببناء مقاييس الجاهزية التقنية TRL الخاصة بها وووضع معاييرها الخاصة لتقييم منتجاتها قيد التطوير.
كما يوجد لدى المنظمات والحكومات مبادرات لإجراء تقييمات الجاهزية التكنولوجية ووضع تعريفات مستويات الجاهزية لقطاعات مختلفة. على سبيل المثال ، أنشأت المفوضية الأوروبية و US-DOD و US-DOE و ESA العديد من المراجع الإرشادية ومقاييس TRL لتقييم التقنيات الناشئة.حيث يمكنك العثور على ارشادات ومقاييس TRL للعديد من الصناعات مثل الطاقة المتجددة ، والدفاع ، والأدوية ، والاتصالات ، و تقينة سلسلة الكتل blockchain ، وتقنيات الذكاء الاصطناعية.
هناك جهود مستمرة أيضًا لتوحيد ووضع معايير دولية لصناعات محددة. على سبيل المثال ، يمكننا أن نرى معيار ISO 16290 ومعيار INCITS / ISO / IEC 27031 الذي ينظم عملية التقييم لتكنولوجيا أنظمة الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
أما الشركات الصغيرة ومراكز تطوير المنتجات فتقوم عادة باستخدام أحد المقايسس الشائعة لدى هذه المنظمات والشركات الكبيرة وتعديلها بما بتوافق مع طبيعة منتجاتها .
ما هي استخدامات مؤشر الجاهزة التقنية الأخرى وكيف يوظف استخدامه في الشركات
في هذا القسم ، سنناقش الاستخدامات الأخرى لـ مقياس الجاهزية التقنية وكيف يمكن استخدامه لخدمة أغراض أخرى.
1- استخدامه كمعيار لتقييم الموردين لتحديد ما إذا كان ينبغي تضمين تقنية معينة من مورد في المنتج من عدمه.
عندما تقوم بتطوير منتج يتضمن تقنيات متعددة ، يجب عليك التأكد من أن التقنيات المختارة ناضجة بما يكفي لتضمينها في المنتج. ، على سبيل المثال عند اختيار مورد لتوفير أحدث التقنيات لنظام إدارة البطارية لمركبة كهربائية. قبل اتخاذ مثل هذا القرار الحاسم ، من المهم التحقق من مستوى TRL لهذا النظام عند المورد بالإضافة إلى الخصائص الفنية. ومن المهم تعيين حد أدنى لمستوى TRL للقبول قبل تضمين هذه التقنية في نظامك ومنتجك حتى لا ينتهي بك الأمر بمنتج منخفض الجودة .
2- ايجاد مصادر تمويل لدعم لمراكز البحث والتطوير و كذلك كمعيار لتحديد أي التقنيات يستثمر فيها المستثمرون.
عندما تتقدم مراكز البحث والتطوير للحصول على منحة تمويل لتطوير منتج ما تكون بحاجة إلى إجراء تقييم تقني لتحديد مستوى جاهزية المنتج لديك وتحديد اي جهة استثمارية من الممكن أن تدعمك . كل مرحلة من مراحل جاهزية المنتج تجذب نوعا مختلفا من المستثمرين. فمستويات جاهزية تقنية مرتفعة يعني أن المنتج أقرب ما يمكن إلى السوق وان الكثير من المشاكل التقنية والتجارية قد تم تجاوزها وهذا كله يؤثر بشكل رئيس على قرارات المستثمرين.
في المراحل الأولى من TRL 1 – TRL 3 ، من المرجح أن يكون التمويل الحكومي هو ألاقرب وذلك لأن هذه المراحل تكون طويلة المدى وعالية المخاطر والتكاليف المالية . الحكومات تكون مستعدة للاستثمار في هذه المرحلة كون هذه التقنيات الجديدة غالبًا ما تؤدي إلى فوائد اقتصادية عامة إما عن طريق تحسين الإنتاجية الإجمالية أو عن طريق إنشاء أسواق جديدة تمامًا إلى جانب خلق فرص عمل جديدة. كما أن العديد من التقنيات الحديثة تحتاج تشريعات جديدة يمكن للحكومات إنشائها.
عند انتقال التقنية أو المنتج من مرحلة البحث الأساسي إلى مرحلة البحث التطبيقي TRL 4 – TRL 7 ، تجذب المنتجات والتقنيات المستثمرين من الهيئات الصناعية وكذلك مؤسسات التمويل.
أما المنتجات والتقنيات عالية النضج عند مستويات TRL 8 و 9 TRL فتجذب المستثمرين الأفراد والشركات الخاصة لأنها مرتبطة عادةً بمخاطر وتكلفة منخفضة وعائدات سوقية مبكرة.
بصفتك مطورًا للمنتج فإن معرفة منتجك مستوى جاهزية المنتج الجديد TRL أمر مهم لمعرفة مكان البحث عن التمويل . أما بصفتك مستثمرا فمن المهم معرفة مستوى جاهزية المنتج TRL لمعرفة مكان استثمار أموالك ومستوى المخاطر المرتبطة بها.
3- استخدام مقياس الجاهزية التقنية كأداة تواصل فعالة بين مراكز البحث والتطوير وعملائها.
كمركز للبحث والتطوير أو وكالة لتطوير المنتجات يمكنك استخدام مقياس TRL كلغة مشتركة بينك وبين العملاء وأصحاب المصلحة لتوضيح التقدم المنجز في كل مكون من مكونات النظام خلال مراحل تطوير المنتج. يساعد استخدام تقييم مستوى جاهزية التقنيات في تقليل المخاطر في الميزانية و يساعد في عمليات التخطيط لتطوير المشروع.
قيود مؤشر الجاهزية التقنية TRL والتوجهات المستقبلية لتطوير استخدامه
على الرغم من استخدام هذا المقياس الواسع في الصناعات إلا أن هذا المقياس يواجه عقبات عندما يتعلق الأمر بوصف جوانب أخرى من جاهزية المنتج.
- يركز المؤشر بشكل أساسي على الجاهزية التقنية فقط للمنتج بدلاً من قابلية التصنيع والتسويق والتغييرات التنظيمة اللازمة للتقنية .
- 2- إن الجوانب المتعددة للقنية لايمكن جمعها واختصاراها بمؤشر واحد واعتبارها ذات علاقة خطية مع مؤشر واحد فقط.
على سبيل المثال من الممكن أن نجد تقنية معينة في في مراحل متقدمة من مؤشر الجاهزية . ألا ان تصنيعها بشكل مجدي مرتبط بتطوير تقنية أخرى لا تزال عالقة في مستويات متدنية من مستوى الجاهزية . في هذه الحالة يعجز المؤشر عن وصف الجاهزية بشكل شامل . ولا يكون واضحا سبب تعثر التقنية الأولى في مراحل التحول إلى السوق commercialization .
أدخلت العديد من المنظمات مقاييس اخرى لمستويات الاستعداد لمعالجة هذه القيود . فمثلا طرحت وزارة الدفاع في الولايات المتحدة مقياس مستويات جاهزية التصنيع MRL لتقييم نضج تقنية أو مكون أو نظام معين من منظور قابيلة التصنيع. أعطى استخدام كل من المؤشرين TRL و MRL إجابات أكثر واقعية للشركات والمستثمرين وساهم في التقليل من المخاطر المرتبطة بها.
يوضح الجدول في الأسفل نموذج لمؤشر جاهزية التصنيع MRL المقترح من وزارة الدفاع الأميركية .
وفي ورقة علمية نُشرت مؤخرًا في النرويج ، تم تقديم طريقة شاملة لقياس نضج التكنولوجيا تغطي جوانب مختلفة من التقنيات الناشئة . تم طرح الدراسة على منتجات وتقنيات ناشئة في قطاع الزراعة مثل الروبوتات الزراعية والطائرات بدون طيار وأجهزة الإستشعار عالية الدقة. تم تقديم المقياس بإسم مستويات الجاهزية المتوازنة (BRL) قد تمهد هذه الطريقة الجديدة الطريق للمؤسسات للنظر إلى المقياس الجاهزية التقنية TRL بشكل مختلف.
يجمع المقياس BRL الجديد بين 5 جوانب مختلفة للمنتج على النحو التالي:
- مستوى الجاهزية التقنية TRL Technological Readiness Level.
- مستوى جاهزية السوق أو جاهزية نموذج العمل Market readiness level MRL .
ويهدف إلى تقييم مدى تكييف المنتج مع السوق تجاريا ومدى ملائمة نموذج العمل المطروح مع السوق من وجهة النظر التجارية والعرض والطلب .
- مستوى جاهزية التشريعات Regulatory Readiness Level RRL.
ويقييم هذا المؤشر مدى جاهزية التشريعات والتصاريح واللوائح التنظيمية في البلد لقبل هذه المنتجات او التقنيات الحديثة .
- مستوى جاهزية القبول المجتمعي Acceptance Readiness Level ARL.
يقيم هذا المؤشر ويرصد مدى القبول المجتمعي لهذه التقنية الحديثة واستخدامها .
- مستوى الجاهزية التنظيمي Organizational Readiness level ORL.
يقيم هذا المؤشر مدى تكيف التقنية الجديدة مع عاملين مهمين . مع التقنيات الحالية أو السابقة لها . ومع عمليات التشغيل Internal processes الحالية داخلية المنظمة المنتجة . فقد تحتاج التقنية الجديدة او المنتج الجديد الى تغييرات في الهيكل التنظيمي والعمليات الداخلية داخل الشركة .
يحتوي كل مقياس من هذه المقاييس على 9 مستويات ويصف مستوى النضج لكل جانب. يوضح الجدول أدناه الأوصاف المقترحة لهذه المستويات.
إن قياس مستويات الجاهزية باستخدام هذه المقاييس يعطي نظرة متعددة غير مختزلة عن المنتج و يؤدي إلى فهم كامل للتحديات التي قد تواجه هذه التقنية الحديثة. على سبيل المثال ، يوضح الجدول أدناه أحد تقييمات المنتجات قيد التطوير باستخدام مقياس الجاهزية المتوازن BRL. كما هو موضح للمنتج رقم 2 ، يمكننا أن نفهم أنه على الرغم من مستوى الجاهزية التقنية TRL مرتفع ، إلا أن جاهزية المنظمة المنتجة ORL لا تزال منخفضة مما يولد تحديات أمام المنتج لوصوله إلى السوق بشكل صحيح .
ختاما فإن استخدام هذه المقاييس الخمسة جنبًا إلى جنب مع مقياس جاهزية التصنيع MRL يعطي رؤية شاملة عن جاهزية التقنيات الحديثة. حيث من الممكن لمطوري التقنيات والمنتجات اختيار بعض المقاييس ذات الصلة التي تتوافق مع منتجها الجديد وإجراء التقييمات بناءً على هذه المقاييس مما سيوفر بالتأكيد صورة أفضل للجاهزية العامة للمنتجات والتقنيات الحديثة.
مقال علمي مميز وهام في نقل التكنولوجيا وامتلاكها ..
شكرا ا/،محمد شمس الدين
وشكرا موقع ثقافة الابتكار